أسرار الممالك الثلاث
مرحباً , نتمنى أن تكون على ما يرام : تفضل بتسجيل الدخول إذا كنت أحد أعضاءنا , او تفضل بالتسجيل إذا أردت الانضمام إلى اسرتنا الكريمة.

تسجيلك في المنتدى سيمنحك فرصة المشاركة في المواضيع و ابراز رأيك في المنتدى, و ستفتح لك مميزات جديدة و اقسام جديدة لدخولها.
أسرار الممالك الثلاث
مرحباً , نتمنى أن تكون على ما يرام : تفضل بتسجيل الدخول إذا كنت أحد أعضاءنا , او تفضل بالتسجيل إذا أردت الانضمام إلى اسرتنا الكريمة.

تسجيلك في المنتدى سيمنحك فرصة المشاركة في المواضيع و ابراز رأيك في المنتدى, و ستفتح لك مميزات جديدة و اقسام جديدة لدخولها.
أسرار الممالك الثلاث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى تاريخي , يهتم بتاريخ الممالك الثلاثة واليابان والتاريخ الاسلامي , ويشتمل المنتدى كذلك على اقسام أخرى متنوعة.
 
أحدث الصورالتسجيلدخولالرئيسية
يتم تفعيل العضوية الغير مفعلة من قبل نفس العضو عبر بريده الالكتروني بشكل دوري من قبل الإدارة لذى اذا لم يتمكن العضو من تفعيل عضويته عبر البريد الالكتروني سوف تتكفل الإدارة بذلك من خلال لوحة التحكم ..
بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم
اقتباسات عشوائية

 

 المحاضرة الثانية : وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم - خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه و حروب الردة - خلافة عمر بن الخطاب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
The Philosopher
Duke
Duke
The Philosopher


ذكر عدد الرسائل : 2288
العمر : 29
الدولة : UAE
أفضل مملكة : Wei
تاريخ التسجيل : 23/10/2009

المحاضرة الثانية : وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم - خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه و حروب الردة - خلافة عمر بن الخطاب  Empty
مُساهمةموضوع: المحاضرة الثانية : وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم - خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه و حروب الردة - خلافة عمر بن الخطاب    المحاضرة الثانية : وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم - خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه و حروب الردة - خلافة عمر بن الخطاب  Icon_minitimeالجمعة 28 أكتوبر 2011, 8:26 pm

وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم

الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 11هـ، وهو اليوم الذي شهد أعظم مصيبة في تاريخ البشرية، وأشد كارثة تعرض لها المسلمون، هذا هو اليوم الذي شهد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم .

يقول أنس بن مالك ، كما روى أحمد والدارمي: ما رأيت يومًا قَطُّ كان أحسن، ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ، وما رأيت يومًا كان أقبح، ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله .

وسبحان الذي ثبت الصحابة في ذلك اليوم، وشتان بين بداية هذا اليوم وبين نهايته، لقد صلى أبو بكر صلاة الفجر بالناس، وكانت هذه هي الصلاة السابعة عشرة التي يصليها بالناس في وجود الرسول ، وفي أثناء هذه الصلاة حدث أمر أسعد المسلمين كثيرًا، وعوضهم عن ألم الأيام السابقة التي مرض فيها الرسول ، وأَتْركُ أنس بن مالك يصف لنا هذا الأمر كما رواه البخاري ومسلم، يقول أنس : كان أبو بكر يصلي بنا في وجع النبي الذي تُوُفِّي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي ستر الحجرة -حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها- ينظر إلينا، وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف. عبارة عن الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته. ثم تبسم يضحك. سعيد برؤيتهم يصلون مجتمعين وراء أبي بكر. فهممنا أن نفتن من الفرح برؤية النبي .

كادوا يخرجون من الصلاة عندما رأوا النبي صلى الله عليه و سلم من شدة الفرح. فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، ولم يأتِ عليه في الدنيا صلاة أخرى.

ولما ارتقى الضحى من ذلك اليوم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته فاطمة رضي الله عنها، وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها كما جاء في البخاري ومسلم أن أزواج النبي كانوا عنده حين أقبلت فاطمة رضي الله عنها، فلما رآها رسول الله رَحّب قائلاً: "مَرْحبًا بِابْنَتِي".

وهي ابنته الوحيدة المتبقية على قيد الحياة، فقد مات كل أولاده، وكل بناته في حياته .

ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سَارَّهَا، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله بالسر من بيننا ثم أنت تبكين؟!

فلما قام رسول الله سألتها: عم سارَّكِ؟

قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله سره.

فلما توفي، قلت لها: عزمت بما لي عليك من الحق لما أخبرتني.

قالت: أما الآن، فنعم.

فأخبرتني، قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضه به العام مرتين، "ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك".

قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية، قال: "يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة؟".

قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت.

وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم أيضًا أنه أسر لها كذلك بأنها أول أهل بيته موتًا بعده .

وقد أضحكها ذلك لأنها ستلقى الأحبة، ستلقى أباها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وتلقى أمها خديجة رضي الله عنها، وتلقى المؤمنين الذين سبقوا، بل وتلقى رب العالمين {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23].

ومع ذلك ففاطمة -رضي الله عنها- كانت تشاهد الألم والمعاناة التي يشعر بها الحبيب ، وذلك دفعها كما في رواية البخاري عن أنس t، أن تقول: واكرب أباه. لكن الرسول طمْأَنها قائلاً: "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ".

وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكيف يشعر بالكرب من رأى مقعده من الجنة، وهو حي على وجه الأرض، وعموم المؤمنين يرون مقاعدهم من الجنة بعد أن يموتوا، وذلك في قبورهم، ولكن الأنبياء يبشرون بذلك في دنياهم قبل موتهم، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يقول وهو صحيح -أي: وهو في صحته قبل أن يمرض-: "إِنَّه لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ".

أي يخير بين الموت وبين البقاء في الدنيا.

وقد رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم مقعده من الجنة، وخُيّر بين الموت والحياة، فاختار لقاء الله ، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: فلما نزل به، ورأسه على فخذي، غشي عليه ساعة، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السقف.

وكأنه يرى مقعده من الجنة، ويعرض عليه التخيير.

ثم قال: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى".

فاختار لقاء الله ، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: إذن لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به، وهو صحيح. أي في زمان صحته .

وأخذ الألم يشتد برسول الله ، وقال رسول الله لعائشة رضي الله عنها كما روى البخاري: "مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ".

ويقصد الشاة المسمومة التي أعدها له اليهود، وأخذ منها لقمة ثم لفظها، ثم قال رسول الله : "فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ". والأبهر هو عرق متصل بالقلب، إذا انقطع مات الإنسان.

والرسول يرجع مرضه وموته إلى أثر السم على عرق الأبهر، ولا يستبعد أن يُبقِي اللهُ ألمَ السم وأثره في جسمه ثلاث سنوات وأكثر؛ حتى يعطي رسولَه مع درجة النبوة درجة الشهادة.

واقتربت اللحظات الأخيرة من حياته ، وهو يريد أن ينصح أمته حتى آخر أنفاسه، فيروي أحمد وابن ماجه عن أنس قال: كانت عامة وصية رسول الله حين حضره الموت: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".

حتى جعل رسول الله يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه. فهاتان وصيتان عظيمتان منه في وقت حرج للغاية، فهو يوصي بالصلاة، وكذلك يوصي بالرقيق والعبيد، ويجمع بينهما لكي يؤكد على وجوب الإحسان إلى الرقيق.

وفي رواية أبي داود عن علي بن أبي طالب ، يقول علي: كان آخر كلام رسول الله : "الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ".

ثم كانت آخر دقائق في حياة الحبيب صلى الله عليه و سلم ، يروي البخاري أن السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول: "إن من نِعم الله عليَّ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تُوُفِّي في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْرِي ونحري".

والسَّحْر هو الرئة أو الصدر، والنحر هو الرقبة، وكان عند الوفاة مُسنِدًا رأسه إلى صدر ورقبة عائشة رضي الله عنها، ثم تكمل عائشة وتقول: "وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته".

ثم تفسر ذلك الكلام وتقول: دخل عبد الرحمن (ابن أبي بكر، وهو أخوها)، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله ، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أنْ نَعَمْ ( لا يقوى على الكلام )، فتناولته فاشتد عليه (لم يستطع أن يستاك بالسواك الجاف)، وقلت: أليّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم. فليّنته، فأَمَرّه ( وفي رواية: أنه استنَّ بها كأحسن ما كان مستنًّا)، وبين يديه ركوة -إناء من جلد- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بها وجهه يقول: "لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ".

وفي رواية عن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ".

سبحان الله! حتى على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حتى على أحب خلق الله إلى الله ، إن للموت سكرات، وعندما فرغ من السواك ورفع يده أو إصبعه، وشخص ببصره نحو السقف، وتحركت شفتاه بكلمات يتمتم بها في صوت خفيض، أصغت عائشة إلى آخر ما يقول من كلمات في حياته، فسمعته يقول: "مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". ثم مالت يده، وقبضت روحه .

وها قد جاءت اللحظة الأليمة، لقد مات رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأظلمت مدينة رسول الله ، لقد نَوّرها رسول الله يوم دخلها، فتحولت من يثرب إلى المدينة المنورة، ولقد أظلمت المدينة نفسها يوم مات الحبيب ، بل لقد أظلمت الدنيا بأسرها، وليس هذا مبالغة فالرسول ليس مجرد رجل عظيم، أو قائد فذّ، أو مفكر عملاق فقدته البشرية، إنما هو في حقيقته الأصيلة آخر رسول من رب العالمين إلى الناس.
طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله !!

فخرجت السيدة عائشة تقول للصحابة : مات رسول الله , مات رسول الله , فهذا عمربن الخطاب رضي الله عنه يقول : من قال انه مات قطعت رأسة , إنما ذهب ليقابل ربه كما ذهب موسى من قبل , و هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه لا يستطيع أن يتحرك , و هذا على بن ابى طالب يمشى كالأطفال هنا و هناك , و أما أثبت الصحابه ابو بكر رضي الله عنه فأخذ يقول : ايها الناس , من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات و من كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ثم قرأ أية الله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة آل عمران , فعلم الناس أن الرسول قد مات حقاً , ثم غسله العباس بن عبد المطلب و على بن ابى طالب و أولاد العباس بن عبد المطلب ووضعوا التراب على النبى

======================================================= خلافة ابي بكر الصديق - رضي الله عنه - و حروب الردة

بايع الناس أبا بكر في المسجد -بعد بيعة قادة المهاجرين والأنصار له في سقيفة بني ساعدة- فقام أبو بكر خطيبًا في الناس ليُعْلِن عن منهجه، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: أما بعد، أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإنْ أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

وكان الإسلام في عهد النبي قد بدأ ينتشر بعد السنة السادسة للهجرة، وبعد هزيمة هوازن وثقيف[7] بدأت الوفود تَرِد إلى الرسول معلنة إسلامها، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وقلَّ عدد المشركين الذين يعبدون الأصنام، لكنَّ بعض الذين دخلوا في الإسلام كان منهم ضعاف الإيمان، ولم يكن الإيمان قد استقرَّ في قلوبهم، فلم يدخلوا في الإسلام إلا انبهارًا بسيطرة المسلمين على الجزيرة العربيَّة، ومنهم مَن جاء رغبة في المال والغنائم، والارتباط بالقوَّة الأُولَى الجديدة في الجزيرة، ومنهم مَن جاء خوفًا من قوَّة المسلمين، ومنهم مَن جاء لا رغبة ولا خوفًا، ولكن اتِّباعًا لزعمائهم وقادتهم، فَسَاقهم زعماؤهم كالقطيع، فدخلوا في دين لا يعرفون حدوده، ولا فروضه، ولا تكاليفه، ولم يفقهوا حقيقة الرسول وحقيقة الرسالة، ولم يعيشوا مع القرآن ولا مع السُّنَّة.

بداية ظهور المرتدين , كانت وفاة الرسول فرصة لهؤلاء لكي يُظْهِروا ما أخفَوْه خلال الفترة الماضيَّة، ولكي يُعْلِنوا ردَّتهم عن الدين الحنيف، وكان ارتداد الجزيرة العربيَّة على درجات؛ فمِن العرب مَن منع الزكاة، ومنهم مَن ترك الإسلام كلَّه وعاد إلى ما كان يعبد من أصنام، ومنهم مَن لم يَكْتَفِ بالردَّة، بل انقلبوا على المسلمين الذين لم يرتدُّوا، فقتلوهم، وذبحوهم، وفعلوا بهم أشنع المنكرات, فكان على أبي بكر t أن يُواجه هؤلاء جميعًا، وليس هذا فقط بل كان عليه أن يُؤَمِّن حدود الدولة الإسلاميَّة ضدَّ الأعداء الخارجيين وفي مقدِّمتهم دولة الروم، وكان الرسول قد أعدَّ لذلك جيشًا بقيادة أسامة بن زيد؛ لإرساله إلى مشارف بلاد الشام؛ بهدف الثأر من الروم لقتلى معركة مؤتة، وتأديب الغساسنة, وأوصى بإنفاذه قبل وفاته r، ولكنه مات قبل أن يَبْرَح الجيش المدينة، وظلَّ أسامة بجيشه على حدود المدينة ينتظر الأوامر .

وراح الجميع يُفَكِّرون في مواجهة أعداء الأمة الإسلاميَّة الوليدة, فرأى بعض المسلمين أن تُوَجَّه كلُّ الجهود إلى محاربة المرتدِّين، وأن يُؤجّل إنفاذ جيش أسامة لمحاربة الروم إلى ما بعد القضاء على المرتدِّين، وأن يتفرَّغ أبو بكر لذلك، ولكنَّ أبا بكر وقف شامخًا راسخًا، يُؤكِّد العزم على قتالهم جميعًا في كل الجبهات قائلاً: "والله لأقاتلَنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حقٌّ المال، واللهِ لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه" .

ولقد أصرَّ أن يُتِمَّ بعث أسامة قائلاً: "والله لا أحُلُّ عقدةً عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ولو أن الطير تَخْطَفُنَا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جَرَت بأرجل أُمَّهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة "

فيعرض عليه بعض الصحابة تغيير أمير الجيش، فيأتي له عمر بن الخطاب، ويقول: "لو اتَّخذت أميرًا غير أسامة". -وكان سِنُّهُ يومئذٍ 17 أو 18 عامًا- فالأمر صعب ويحتاج إلى الحكمة، فيُمسكه أبو بكر من لحيته، ويهُزُّه ويقول له: "ثكلتك أمُّك يابن الخطاب! أؤمِّر غير أمير رسول الله "

وكان لخروج الجيش إلى أطراف الشام فائدة كبيرة للمسلمين حيث فرَّت أمامه الجيوش الروميَّة في هذه المنطقة، فلم يَلْقَ قتالاً، فوجد بعض القبائل في هذه المنطقة ارتدَّتْ، فقاتلهم، وشتَّتَ شملهم، وهزمهم، وعاد بسرعة إلى أبي بكر الصِّدِّيق في المدينة، فأحدث بكل القبائل العربيَّة الموجودة في هذه المنطقة رهبة من المسلمين مما جعلهم يظنُّون أن للمسلمين قوَّة في المدينة، وأن هذا جزء صغير من الجيوش الموجودة فيها، فقرَّرَوا عدم الهجوم على المدينة وإيثار للسلامة، مع أنه لم يكن هناك جيش بالمدينة
فكان إنفاذه لجيش أسامة حكمة ألهمها الله لأبي بكر.

بدأ الصِّدِّيق t في تجهيز مجموعة من الجيوش الإسلاميَّة التي ستخرج لحرب المرتدِّين في وقت متزامن، فجهز أحدَ عشرَ جيشًا كاملاً، لا يتعدَّى قِوَامها ألفين أو ثلاثة أو على الأكثر خمسة آلاف، ولكنها كانت جيوشًا مُنَظَّمة، راغبةً في الجهاد في سبيل الله، فاهمةً لقضيَّتها، معتمدة على ربِّها، وحدَّد الصِّدِّيق t اتِّجاه كلِّ جيش من هذه الجيوش الأحد عشر، فوُزِّعت هذه الجيوش على الجزيرة توزيعًا دقيقًا، بحيث لا تبقى قبيلة أو منطقة إلا ويمرُّ بها جيش المسلمين.

واختار الصِّدِّيق أحدَ عشرَ قائدًا فذًّا من قوَّاد الإسلام على رأس هذه الجيوش؛ فقاد خالد بن الوليد الجيش الأول المتَّجه إلى طيِّئ أوَّلاً، ثم بني أسد؛ تلك القبيلة الخطيرة التي يقودها طليحة بن خويلد الأسدي, ثم بني تميم، وفيهم مالك بن نُوَيْرَة، فإذا انتهى مِن كلِّ هذا بنجاح فإنَّ عليه أن يتوجَّه إلى بني حنيفة، لمقابلة أخطر جيوش المرتدِّين، وعلى رأسها مُسيلمة الكذَّاب؛ وذلك لمساعدة الجيشيْن الثاني والثالث .

وكان عكرمة بن أبي جهل على رأس الجيش الثاني، وشُرَحْبِيل بن حَسَنَة على رأس الثالث، وأَمَر الصِّدِّيقُ t عكرمةَ ألا يُقاتل حتى يأتيه جيش شُرَحْبِيل، وكان جيشه حوالي ثلاثة آلاف، بينما يتعدَّى جيش مسيلمة مائة ألف رجل، فتعجَّل عكرمة بن أبي جهل في قتال مسيلمة قبل أن يأتيه شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، فاجتاح جيشُ مسيلمة جيشَ عكرمة بن أبي جهل، ففرَّ جيش عكرمة، وتفرَّقوا في المنطقة، ووصلت الأنباء إلى الصِّدِّيق بالمدينة، فحزن حزنًا شديدًا، وعلم أن الجيش الإسلامي في طريقه إلى المدينة، فأرسل رسالة إلى عكرمة بن أبي جهل عَنَّفه بشدَّة على تسرُّعه في محاربة مسيلمة الكذاب، وقال له: لا ترجع بجيشك إلى المدينة، واتَّجه بجيشك إلى حذيفة بن محصن، وعَرْفَجَةَ بن هَرْثَمَةَ في اليمن، فقاتِل معهما .

وعندما وصل جيش شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قرب بني حنيفة عسكر منتظرًا مدد أبي بكر الصِّدِّيق t، ثم تعجَّل فهاجم بجيشه الصغير -ثلاثة آلاف مجاهد- جيش مسيلمة، فحَدَث مع جيشه نفس الذي حدث مع عكرمة بن أبي جهل، فحَزِنَ الصِّدِّيق حزنًا شديدًا، وأرسل له أنِ امْكُث في مكانك، ولا ترجع إلى المدينة.

ثم كلَّف الصِّدِّيق خالد بن الوليد بقتال بني حنيفة، فهزمهم في معركة اليمامة بعد قتال عنيف، ظهرت فيه بطولات المهاجرين والأنصار, وقُتِلَ مسيلمة الكذَّاب على يَدِ بطلين؛ هما وحشيّ بن حرب بحربته، وأبي دُجَانَةَ بسيفه, وبلغ عدد قتلى المرتدِّين في معركة اليمامة 21000 قتيل، واستُشْهِد من جيش المسلمين 1200 شهيد، منهم 500 من حفظة القرآن، ثم صالح خالد t بني حنيفة؛ فعادوا للإسلام، وذهبوا إلى أبي بكر الصِّدِّيق، وبايعوه .

كان الجيش الخامس مُتَّجهًا إلى الشمال وعلى رأسه خالد بن سعيد t, وكان متَّجهًا لقبيلة قُضَاعَة. أما الجيش السادس فكان مُتَّجهًا إلى مشارف الشام، وعلى رأسه عمرو بن العاص t، ولم يُلاقِ هذان الجيشان قتالاً يُذكر، وما إن وَصَلا إلى الشام حتى فرَّت منهم القبائل، فعادوا إلى المدينة .

أما الجيش السابع فاتَّجه إلى قبائل عبد القيس الموجودة في البحرين، وكان على رأسه العلاء بن الحضرمي، وكانت كلُّ القبائل في تلك المناطق قد ارتدَّت عن الإسلام وعلى رأسها قبيلة عبد القيس، وما ثبت على الإسلام إلا قرية صغيرة تسمى جُوَاثَى التي حاصرها المرتدُّون، فأرسل رسائل إلى القبائل المرتدَّة لعلَّها تعود للإسلام، ولكنهم رفضوا, وأصرُّوا على موقفهم, فدارت المعارك بين الجيش المسلم والمرتدِّين استمرَّت شهرًا كاملاً، وفي ذات يومٍ سمع العلاء بن الحضرمي ضَجَّة في معسكر المرتدِّين، فعلم أنهم سُكارى، فجهَّز جيشه في الليل، وباغتهم فهزمهم هزيمة ساحقة، وفرَّ بعضهم إلى جزيرة دارين، ولم يكن مع العلاء بن الحضرمي في ذلك الوقت سفن، فرَكِب الجيش البحر، ووصلوا إلى دارين دون أن يفقد المسلمون مقاتلاً واحدًا، ورأى الفارُّون المرتدُّون جموعَ المسلمين تخرج من البحر، فسُقِطَ في أيديهم، وأَعْمَل المسلمون فيهم السيف، وقتلوا منهم أعدادًا كثيرة، ثم عاد المسلمون منتصرين في سفن المرتدِّين .

أما الجيشان الثامن والتاسع فاتَّجها إلى عُمَان فكان الجيش الأول بقيادة حذيفة بن محصن ، والجيش الآخر كان بقيادة عَرْفَجَة بن هرثمة، وقد أَمَر أبو بكر t الجيشين بأن يتَّحدا بقيادة حذيفة بن محصن، ولحق بهما عكرمة بن أبي جهل بعد أن هُزِم أمام مسيلمة وأرسل حذيفة رسالة إلى جَيْفَر وعبَّاد فرجعا بمن معهما من المسلمين إلى جيش حذيفة بن محصن، وعسكروا مع المسلمين، بينما جهَّز لُقَيْط -الذي ادَّعى النبوَّة بعد وفاة النبي r- جيشه، وتقابل مع المسلمين في موقعة شرسة، وكانت القوَّة متكافئة، وظلَّ الفريقان في صراع إلى أن مَنَّ الله على المسلمين بمدد من جيش العلاء بن الحضرمي، فرَجَحَت كِفَّة المسلمين، وكتب الله النصر للمسلمين، وقُتل لُقَيْط بن مالك، وقُتل معه عشرة آلاف مرتدٍّ .

ثم انطلقت جيوش المسلمين الثلاثة بعد ذلك إلى مَهَرَة لقتال المرتدِّين هناك، ولما وصل الجيش إلى مَهَرَة بعث أبو بكر برسالة يُؤَمِّرُ فيها عكرمة بن أبي جهل على الجيوش الثلاثة, وكان بهذه المنطقة كثير من القبائل المرتدَّة، وكان على رأس هذه القبائل اثنان يُدعى أحدهما شخريط والآخر مَصْبَح، وبعد ارتدادهما اختلفا وتقاتلا، فكلٌّ منهما يريد إمارة المرتدِّين، ووصل عكرمة، وعلم بأمرهما فراسل شخريطًا، وهدَّده بقوَّة المسلمين، ورغَّبه في الإسلام، فأسلم شخريط لمَّا تيقَّن من قوَّة المسلمين، وأنهم سيحاربون معه ضدَّ مَصْبَح، وتسلَّل بجيشه وانضمَّ إلى جيش عكرمة بن أبي جهل، وقاتل المسلمون في هذه المعركة قتالاً شديدًا، وصبروا حتى كتب الله لهم النصر .

وبعد انتصار المسلمين في مَهَرَة جمع عكرمة الجيش ليذهب به إلى اليمن، وكان المتَّجِه إلى اليمن جيشان؛ الجيش العاشر بقيادة المهاجر بن أميَّة حيث اتَّجه إلى صنعاء، والجيش الحادي عشر بقيادة سُوَيْد بن مُقَرِّن توجه إلى تهامة، وكان الأسود العنسي قد ادَّعى النبوَّة قبل وفاة النبي r، ولكنه قُتل على يَدِ فيروز الدَّيْلَمي, وقيس بن مكشوح الذي كان على رأس المرتدِّين بعدما عَلِمَ بوفاة الرسول r، ولكنه هُزِمَ هزيمة ساحقة على يَدِ الجيوش الإسلاميَّة فاستسلم، واستسلم معه عمرو بن معديكرب، وأرسلوا إلى الصِّدِّيق مع أحد الرسل، وفي الطريق أسلما قبل أن يصلا إلى المدينة، وقَبِل منهما الصِّدِّيق الإسلام .

انتهت حروب الردَّة، وتمَّ القضاء على كلِّ مَن ادَّعى النبوَّة وبدأت أنظار المسلمين تتَّجه إلى أمرين؛ أوَّلهما: التفكير في جمع القرآن وحفظه؛ فقد كان القرَّاء والعلماء أسرع الناس إلى العمل والجهاد؛ لرفع شأن الإسلام والمسلمين، فخرج عدد كبير منهم لجهاد المرتدِّين, فكان استشهادهم في معركة اليمامة بمنزلة إنذار للمسلمين حتى يحفظوا قُرْآنهم من الضياع, فأشار عمر بن الخطاب t على الصِّدِّيق t بجمع القرآن، فيقول أبو بكر t: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن الكريم، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقُرَّاء في المواطن كلها، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلتُ لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله r؟! فقال عمر: هذا والله خير، فلم يزلْ عمر يُراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر .

فأَمَر الصِّدِّيق زيدَ بن ثابت t بجمعه قائلاً له: إنك رجل شاب عاقل، لا نتَّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله r، فتتبَّعِ القرآنَ فاجمَعْه. فقال زيد: فوالله لو كلَّفني نقلَ جبل من الجبال ما كان بأثقل عليَّ مما كلفني به من جمع القرآن .

وثاني الأمرين هو تأمين حدود دولتهم، فالفرس يقفون في وجه الدعوة الإسلاميَّة، ويساندون أعداءها, كما يحارب الروم الدعوة وينصرون خصومها .

بدأت عداوة الفرس للمسلمين في عهد الرسول، عندما أمر ملك الفرس عامله على اليمن أن يرسل من عنده رجلاً ليقتل رسول الله أو يأسره، بعدما أرسل له النبي مَن يدعوه إلى الإسلام، ولكن الله أَهْلَكَ ملك الفرس عندما ثار عليه قومه، وحفظ رسوله حتى مات .
وعندما ارتدَّت العرب ظنَّ الفرس أن العرب المرتدِّين سيقضون على الإسلام في مهده، ولكن الله خَيَّبَ ظنَّهم، فعادوا يكيدون للإسلام، فما كان من أبي بكر الصِّدِّيق t إلا أن بعث إليهم خالد بن الوليد، وتحرَّك الجيش بقيادته نحو العراق، ونزل الحيرة فدعا أهلها إلى الإسلام، أو الجزية، أو الحرب, فقَبِل أهل الحيرة أن يدفعوا للمسلمين الجزية ويعيشوا في أمان وسلام، وكانت هذه أوَّل جزية تُؤخذ من الفرس في الإسلام .

وسار خالد بجيشه إلى الأنبار، فهزم أهلها حتى نزلوا على شروطه، وقبلوا دفع الجزية أيضًا. ثم اتجه إلى "عين التمر"، ومنها إلى "دُومَة الجَنْدَل"، وفتحهما عَنوةً وقهرًا بعد أن رفض أهلها الإسلام والجزية وأعلنوا الحرب! فانتصر البطل الفاتح عليهم وأَمَّنَ بذلك حدود الدولة الإسلاميَّة الناشئة من ناحية الفرس .

لكن خطر الروم ما زال يهدد الدولة الإسلاميَّة!! فهذا هرقل إمبراطور الروم قد جمع قوَّاته على حدود فلسطين؛ وحرَّض العرب المجاورين له على معاداة المسلمين ليُوقِفَ المدَّ الإسلامي، ولكن كلمة الله لا بد أن تكون هي العليا، ولا بُدَّ أن يُزيل أبو بكر t كلَّ العوائق التي تقف في طريق الدعوة الإسلاميَّة، وتتربَّص بها، تريد القضاء عليها!
فدعا أبو بكر المجاهدين لحرب الروم في الشام، وأعلن التعبئة العامَّة ليُلَقِّن كلَّ الذين يُفَكِّرون في العدوان على الإسلام والمسلمين درسًا لا يُنْسَى، وتحرَّكت الجيوش من "المدينة المنورة" وبتشكيل أربع فرق، يقودها قوَّاد عباقرة عظام؛ فكان على رأس الأُولى "عمرو بن العاص" ووِجْهَتُه فلسطين، وكان على رأس الثانية "يزيد بن أبي سفيان" ووجهته دمشق, وكان على رأس الثالثة "الوليد بن عقبة" ووجهته وادي الأُرْدُنِّ, أما الرابعة فكان على رأسها "أبو عُبَيْدَة بن الجرَّاح" ووجهته حمص .

وكان الصِّدِّيق قد بَعث خالد بن سعيد بن العاص يُرابط بقوَّاته قرب مناطق يسيطر عليها الروم والقبائل العربيَّة التي تعتنق النصرانيَّة وتحالف الروم، ثم أرسل قوَّاده الأربعة إلى بلاد الشام بعد ذلك، وقد أدرك الروم ما يرمى إليه خليفة المسلمين، فاستعدُّوا لحرب آتية لا بُدَّ منها مع المسلمين، فنقل هرقل مقرَّ القيادة إلى حمص ليكون أقرب من مَيْدَان القتال، ولما رأى المسلمون ذلك طلبوا من أبي بكر أن يرسل إليهم بالمدد، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يتحرَّك بمن معه في نجدة إلى الشام، ولا سيَّما أن الفرس في حالة من الضعف، ورحل خالد بمن معه إلى الشام، حيث جَرَت معركة اليرموك بين المسلمين والروم، واحتشدت القوَّات للمواجهة، وقبل البدء في القتال كان أبو بكر قد تُوُفِّيَ يوم الاثنين (22 جمادى الآخرة عام 23هـ/ 634م) إثر إصابته بالحمَّى، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ودُفِنَ في بيت عائشة بجانب قبر النبي صلى الله عليه و سلم .

========================================================
خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه
-

كان أبو بكر حينما اشتد المرض عليه، وشعر بدنوِّ أجله رأى أن يحسم أمر اختيار خلفٍ له؛ خشية انقسام المسلمين بعده، فاختار عمر بن الخطاب خليفة له (13- 23هـ/ 634- 644م)، بعد أن استشار كبار الصحابة، ثم بايعه عامَّة المسلمين بعد ذلك.
فأعاد تنظيم الجيوش, ووُلِّيَ أبو عبيدة بن الجراح القيادة العامَّة لجيوش الشام بدلاً من خالد بن الوليد، فقادا الاثنين معًا معركة اليرموك التي انتهت بانتصار المسلمين .

واصل عمر استكمال الفتوح الإسلاميَّة التي بدأت في عهد الصِّدِّيق فقرَّر توجيه الإمدادات إلى العراق بعدما ضعفت هذه الجبهة برحيل خالد بن الوليد t؛ إذ لم يتمكَّن المثنَّى بن حارثة من الاحتفاظ بما حقَّقه المسلمون من انتصارات، فارتدَّ إلى الحيرة وتحصَّن بها، وكتب بذلك إلى الخليفة، فأرسل عمر t أبا عبيد بن مسعود الثقفي في خمسة آلاف مقاتل، وأمره بالسير إلى العراق لقتال الفرس، وكتب في الوقت نفسه إلى المثنى يأمره بالانضمام إليه بمن معه من العَسْكَر .
وبعد عدَّة اصطدامات جانبيَّة مع الفرس في أماكن متفرِّقة، وصل أبو عبيدة إلى قُسِّ النَّاطف -وهو موضع قريب من الحِيرَة على الضِّفَّة الشرقيَّة لنهر الفرات- حيث انضمَّ إليه المثنَّى مع قوَّاته، ودفع الفرس بجيش من أربعة آلاف مقاتل بقيادة جاذويه، وعسكر على الجانب الآخر من النهر .

عبر أبو عبيدة واصطدم بالجيش الفارسي في رَحَى معركة عنيفة قُتل خلالها أبو عبيدة، وتراجع المسلمون عَبْر الجسر تحت ضغط المعركة، لكنَّ أحد المسلمين هدم الجسر؛ ليَحُولَ دون انسحابهم، مما أضعف رُوح المسلمين المعنويَّة، وجعلهم عُرضة للقتل بعدما اختلَّ نظام صفِّهم، في هذه الأثناء نفَّذ المثنى خُطَّة تراجع منظَّمة؛ عَبَر النهر، وانحدر مسرعًا إلى الحيرة، ومنها إلى "أُلَيْس"، قرية من قرى الأنبار .

أضاعت معركة الجسر مكاسب المسلمين السابقة، وجعلت الحرب سجالاً، وأضحى موقف المثنَّى دقيقًا، واستمرار الفتح مستحيلاً، من دون دخول إمدادات جديدة إلى ميدان المعركة، فكتب إلى عمر بن الخطاب يطلب منه أن يمدَّه بالمسلمين، تحرَّك الخليفة على وجه السرعة وجهَّز جيشًا بقيادة جرير بن عبد الملك الْبَجَلِي، وأمره بالتوجُّه إلى العراق، حيث انضمَّ إليه المثنى، وقذف الفرس -في هذه الأثناء- بجيش تعداده اثني عشر ألف مقاتل بقيادة مهران بن باذان الهمذاني للتصدِّي للمسلمين، واشتبك الجيشان في رحى معركة قاسية في البويب في شهر رمضان، أسفرت عن انتصار واضح للمسلمين .

تأثَّر الفرس بما حلَّ بهم من هزائم متكرِّرة أمام المسلمين، فثاروا على ملكتهم بوران بنت كسرى أبرويز، ونصَّبوا عليهم يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فعمل على توحيد الجبهة الفارسيَّة، وولَّى على قيادة جيوشه رستم بن هرمز .

لما بلغت عمر هذه الأنباء جهَّز جيشًا جديدًا بلغ تعداده نحو عشرين ألف مقاتل، أمَّر عليه سعد بن أبي وقاص، وأرسله إلى العراق لمواجهة الموقف المتجدِّد, فالتحم الجيشان في رحى معركة (القادسية) في (شهر شعبان 15هـ)، استمرَّت عدَّة أيام، وانتهت بانتصار المسلمين ومقتل رستم .

وتُعَدُّ معركة القادسيَّة نصرًا حاسمًا للمسلمين في صراعهم مع الفرس، وضربة مميتة للحكم الفارسي في العراق، وتَمَكَّن المسلمون من تحطيم القوَّة الميدانيَّة للجيش الفارسي بشكل لن تقوم له قائمة بعدها، وأدَّى مقتل رستم إلى زيادة اليأس والاضطراب في صفوف الفرس، ومن بين نتائج المعركة عودة القبائل العربيَّة الضاربة في الشمال إلى طاعة المسلمين، كما اعتنق بعضها الإسلام.

تابع المسلمون تقدمهم بعد المعركة باتجاه المدائن عاصمة يزدجرد، ولما رأى الملك الفارسي أن المسلمين أصبحوا على أبواب عاصمته عرض عليهم الصلح مقترحًا أن يجلو عن المدائن الدنيا على ضفة دجلة الغربيَّة تاركًا المنطقة للمسلمين، شرط أن يعترفوا بالنهر حدًّا فاصلاً بينهم وبينه، فرفض سعد هذا العرض، وواصل حصاره لبَهُرَسِير حتى دخلها، واندفع المسلمون، فعبروا نهر دجلة إلى المدائن ودخلوها .

لم ييئس يزدجرد بعد سقوط عاصمته، وأرسل جيشًا إلى جلولاء التي تقع على مفترق الطرق إلى أَذْرَبِيجَان والباب والجبال وفارس، فأرسل سعدَ هاشم بن عتبة على رأس قوَّة عسكريَّة، اصطدمت بالجيش الفارسي وأَجْلَتْهُ عن المدينة، ولما بلغت يزدجردَ أنباءُ هذه الهزيمة، وكان في حلوان انسحب منها إلى الرِّيِّ في شمال فارس، وأتمَّ سعد فتح باقي مدن العراق مثل: تَكْرِيت، والمَوْصِل، وماسَبَذَان، وقَرْقيسِيَاء، وهِيت، ودَسْت مِيسَان

رأى عمر بن الخطاب أن يقف بالفتوح عند حدود العراق، غير أن الأحداث عدَّلت من سياسته، فالفرس لم يعترفوا بالهزيمة، فجمعوا قوَّاتهم في الأهواز في الجنوب الشرقي من العراق، واتَّخذوها قاعدة انطلاق لشنِّ هجمات خاطفة على المسلمين، فاضطر المسلمون إلى فتح الأهواز ورامَهُرْمُز والسوس وتُسْتَر؛ لوقف الهجمات الفارسيَّة على صفوفهم وقواعدهم .

جهز يزدجرد جيشًا جديدًا أمَّر عليه الفيرزان، واصطدم بالمسلمين بقيادة النعمان بن مقرِّن المُزَنِيِّ في نَهَاوَنْد من بلاد الجبل جنوبي هَمَذَان، وأسفر الصدام عن انتصار المسلمين رغم استشهاد قائدهم، كما قُتِلَ القائد الفارسي، وتراجعت فلول المنهزمين إلى حصن نهاوَنْد، وامتنعوا فيه، فحاصرهم المسلمون بقيادة حُذيفة بن اليمان الذي خلف النعمان، حتى استسلموا، وصالح أهل الحصن المسلمين على الأمان في (شهر محرم عام 19هـ) .
وتُعَدُّ معركة نهاوَنْد من المعارك الكبرى في تاريخ الفتوح الإسلاميَّة في فارس، وسمَّاها المسلمون "فتح الفتوح"؛ لأنها فتحت الطريق أمامهم للقضاء على الدولة الفارسيَّة نهائيًّا.

أما الجبهة الشاميَّة فقد شَهِدت تطوُّرًا كبيرًا في أحداثها وخاصَّة بعد انهزام الروم في معركة اليرموك، فقد غادر هرقل بيت المقدس لمَّا عَلِم بانتصار المسلمين في اليرموك، واتَّجه إلى حمص؛ ليجعلها مقرًّا لأعماله الحربيَّة.



بينما اتجه المنهزمون إلى فِحْل, فوجَّه إليها أبو عبيدة بن الجراح قوَّة صغيرة، واتجه هو بجيشه إلى دمشق بناء على مشورة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t الذي قال فيها لأبي عبيدة: ابدءوا بدمشق فانهدوا لها؛ فإنها حصن الشام وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهلَ فِحْل بِخَيلٍ تكون بإزائهم وأهلَ فلسطين وأهلَ حمص .


ولما وصلت جيوش المسلمين إلى دمشق نزل عمرو بن العاص بباب الفراديس، ونزل شُرَحْبِيل بن حَسَنَة بباب تُومَاء، وقيس بن هبيرة بباب الفرج، وأبو عبيدة بباب الجبابية، وبقي خالد بن الوليد بالباب الشرقي، وشدَّد المسلمون الحصار على أهل دمشق سبعين يومًا، ولم تُجْدِ منعةُ حصونهم وما عليها من مجانيق وغيرها من آلات الدفاع نفعًا، فمنع المسلمون المدد من أن يصل إليهم، ونفدت المؤن من عندهم، ونفد صبرهم، وانكسرت حميتهم، وتمَّ للمسلمين فتح هذه المدينة.
وبعد فتح دمشق (15 من رجب 14هـ) سار الجيش إلى فِحْل، فأعاد أبو عبيدة تنظيم الجيش مرَّة أخرى، وكان الروم قد جعلوا بينهم وبين المسلمين خطًّا مانعًا من الوَحْل؛ حتى يُعيق المسلمين عن التقدُّم, ولكن انتهت المعركة بهزيمة ساحقة جعلت من هذا الوَحْل وبالاً عليهم, فبعد مقتل أميرهم لم يستطيعوا الفِرَار من أرض المعركة المليئة بهذا الوَحْل, ولم يفلت منهم إلا الشريد، وانصرف أبو عبيدة وخالد إلى حمص، فاستوليا عليها ثم على حَمَاة، وقِنِّسْرِينَ واللاذقيَّة وحَلَب .

أما شُرَحْبِيل وعمرو بن العاص فقد قصدوا بَيْسَان، فحاصروا أهلها أيَّامًا وأرغموهم على طلب الصلح والأمان، ولمَّا عَلِمَ أهل طبرية بما حلَّ بأهل فِحْل وبَيْسَان طالبوا بعقد صلح مع المسلمين، وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بالفتح.

أمَّا فلسطين في ذلك الوقت فكان عليها والٍ روماني يُدعى (أرطبون)، وكان من أدهى القوَّاد الرومان, وقد أقام جندًا كثيرًا ببيت المقدس -إيلياء- والرملة باعتبارهما أهمّ المدن الفلسطينيَّة، على حين عسكر بجنده الكثيف بأَجْنَادَيْنِ.
ولما رأى عمرو أن القوَّة التي مع الروم أقوى مما كان يظنُّ، كتب إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر: قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عمَّا تنفرج. وكتب إلى القوَّاد أن يسيروا إلى قيسارية والرملة وبيت المقدس؛ ليشغلوا الروم عن عمرو .
سار عمرو إلى أَجْنَادَيْنِ (15هـ)، واقتتل المسلمون والروم قتالاً شديدًا -لا يقلُّ عن قتال اليرموك- فانهزم أرطبون بعد منازلته لعمرو بن العاص, فارتدَّ بالفارِّين إلى بيت المقدس .

وكان من أثر انتصار عمرو على أرطبون أن أَذْعَن للمسلمين كل مَن كان بـيافا، ونابلس، وعسقلان، وغزة، والرملة، وعكا، وبيروت، ولُدّ، والجبلة، وفُتِحَت أبوابها لهم من غير قتال إلا بيت المقدس.

ثم قصد عمرو بن العاص بعد ذلك بيت المقدس، وضرب حولها حصارًا شديدًا, وأخذ يُراسل الأرطبون مراسلة ودِّيَّة، ويطلب إليه تسليم المدينة، والأرطبون يأبى ذلك، واستمرَّ هذا الحصار أربعة أشهر لم ينقطع فيها القتال, والمسلمون صابرون على البرد والثلج والمطر، إلى أن يئِس الروم من مقاومة حصار المسلمين لمدينتهم، فقرَّر بِطْرِيقهم (صفرونيوس) القيام بمحاولة أخيرة, وكتب إلى عمرو بن العاص -قائد جيش المسلمين- رسالة يُغريه فيها بفكِّ الحصار؛ نظرًا لاستحالة احتلال المدينة.

لما اشتدَّ حصار المسلمين للمدينة أيقن أهلها أن فتح المسلمين لها مسألة وقت؛ لذلك أرسل أرطبون إلى عمرو رسالة يطلب فيها أن يتسلَّم أمير المؤمنين مفاتيح بيت المقدس بنفسه، فأرسل عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فخرج في مَدَدٍ قاصدًا بيت المقدس –بعد استشارة الصحابة- فصالحوه على الجزية، وفتحوها له، وكان ذلك في أوائل سنة (16هـ).

ثم كتب كتاب الأمان لأهل بيت المقدس قال فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملَّتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها، ولا من حيِّزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم ولا يُضارُّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخْرِجوا منها الروم واللصوت (اللصوص)، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله، حتى يبلغوا مأمنهم، ومَن أقام منهم فهو آمن، وعليه مِثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومَن أحبَّ من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلِّي بِيَعهم وصُلُبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصُلُبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومَن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان؛ فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يُؤخذ منهم شيء حتى يُحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهدُ الله وذمَّةُ رسوله وذمَّة الخلفاء وذمَّة المؤمنين إذا أعطَوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان" .

فكان الصلح الذي أبرمه عمر يشهد شهادة حقٍّ بأن الإسلام دين تسامح وليس دين إكراه، وهو شاهد عَدْل بأن المسلمين عاملوا النصارى الموجودين في القدس معاملة لم تخطر على أذهانهم.

أراد عمر بن الخطاب الصلاة بالمسجد الأقصى، فسأل كعبًا: أين ترى أن أُصَلِّيَ؟ فقال: إن أخذت عنِّي، صليت خلف الصخرة؛ فكانت القدس كلُّها بين يديك. فقال عمر: ضاهيت اليهوديَّة، لا، ولكن أُصَلِّي حيث صلَّى رسول الله r. فتقدَّم إلى القبلة فصلَّى، ثم جاء فبسط ردائه، فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس .

ظلَّ عمرو بن العاص مع جيشه في فلسطين؛ للقضاء على القوَّة التي كانت لا تزال مع قسطنطين بن هرقل، فسار إلى قيسارية (قيصرية)؛ حيث عسكر قسطنطين بجيش كثيف، وقد تغلَّب على هذا الأمير عوامل الخوف حين علم بسقوط طبريَّة وهروب أبيه من أنطاكية، وتوهَّم أن عمرو بن العاص اخترق أسوار المدينة، فانسلَّ من قصره هو وأسرته خِفْيَة، ورحل إلى القسطنطينية كما رحل أبوه مِن قبلُ، فلمَّا علموا بهروب أميرهم سلَّموا لعمرو.

شهدت خلافة عمر بن الخطاب انتشار وباء الطاعون بصورة بشعة في بلاد الشام عام (18هـ)، وعُرف هذا الطاعون بطاعون عَمْواس، نسبة إلى قرية من قرى فلسطين، وقد تسبَّب هذا الطاعون في وفاة خمسة وعشرين ألف شخص، من بينهم بعض كبار الصحابة كأبي عُبَيْدَة، ومُعَاذ بن جبل، وشُرَحْبِيل بن حَسَنَة، وسُهَيْل بن عمرو، ويزيد بن أبي سفيان، وعامر بن غيلان الثقفي، وغيرهم.

عندما انتهى المسلمون من فتح بلاد الشام طلب عمرو بن العاص من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب السير إلى مصر لفتحها، وقد استطاع عمرو إقناع عمر بن الخطاب بفتح مصر، حتى لا تكون أرض الشام معرَّضة لخطر مهاجمتها من الروم شمالاً، وجنوبًا من مصر عن طريق سيناء البريِّ، وغربًا من بحر الروم، وبخاصة أن (أرطبون) -قائد الروم في فلسطين- قد فرَّ من فِلَسْطِينَ ولحق بمصر، وحشد جنود الروم في مصر لقتال المسلمين لاستعادة بيت المقدس، فرأى عمرو بن العاص أن على المسلمين ألاَّ يُضَيَّعوا الوقت سُدًى دون مسوِّغ، وأن يُوقِعوا بالأرطبون وقوَّات الروم قبل أن يستفحل أمرهم، وقد أيَّده الفاروق عمر بن الخطاب، المعروف بتفكيره الحصيف المتميِّز ، ثم أمدَّه بالزُبَيْرِ بن العوَّام، ومعه بُسر بن أبي أرطاة، وخارجة بن حذافة، وعمير بن وهب الجُمَحِي، فاتجه عمرو إلى حصن بابليون، وضيَّق عليه الخناق بضعة أشهر، وعندما طال وقت القتال، أرسل المقوقس برسالة إلى عمرو يتهدَّده فيها ويتوعَّده؛ إذ الروم مؤيِّدُون للمقوقس، وهم قوَّة معه على قوَّته في مواجهة عمرو ومَن معه، لكنَّ عمرو بن العاص أرسل للمقوقس قائلاً: "ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال: إمَّا أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا، وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال، حتى يحكم الله بيننا وهو أحكم الحاكمين" .

وبعد أن تبيَّن للمقوقس عَجْزَ البيزنطيين عن الوقوف ضدَّ المسلمين، وافق على عقد الصلح بشرط موافقة الإمبراطور عليه، ومع رفض الإمبراطور البيزنطي للصلح مع المسلمين، وحثِّه المقوقس على محاربتهم، هاجم المسلمون الحصن بالمجانيق، واستطاع الزبير بن العوام t أن يدخل الحصن ببسالة فائقة منه، وتبعه المسلمون عام (20هـ/ 641م)، فاضطر المقوقس إلى عقد معاهدة مع عمرو بن العاص ، وبمقتضى هذه المعاهدة دخل كثير من المصريين في الإسلام، ومَن بقي منهم على دينه كان يدفع الجزية التي أقرَّها الصلح, ولأن الشعب المصري عانى كثيرًا من ظلم الرومان فقد رحَّب بالمسلمين؛ لما يحملونه من قيم العدل والمساواة .

ثم أرسل عمرو بن العاص t قوَّةً إلى الصعيد بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح بِنَاءً على أوامر الخليفة ففتحها، وكان الوالي عليها، كما أرسل خارجة بن حُذافة إلى الفَيُّوم، ففتحها وصالح أهلها، وأرسل عُمَيْرَ بن وهب الجُمَحِيَّ إلى دِمْيَاط وتِنِّيس وما حولهما؛ فصالح أهل تلك الجهات، ثم سار عمرو بن العاص إلى الغرب، ففتح بَرْقَةَ وصالح أهلها، وأرسل عقبة بن نافع ففتح زَوِيلَةَ، واتجه نحو بلاد النوبة ففتحها فتمَّ بذلك فتح مصر .

وفي عهد عمر t اتَّسعت رقعة الدولة الإسلاميَّة اتِّساعًا كبيرًا، فكان لا بُدَّ لهذه الدولة من تنظيم حتى تستمرَّ، فحدَّد عمر نظام القضاء وأصوله في العهد الذي ولّى بموجبه أبا موسى الأشعري، وقد استلزمت الفتوح الإسلاميَّة التوسُّع في نظام القضاء، فكان يُرسل إلى كل مصرِ من الأمصار قاضيًا، يختاره ليتولى الحكم في المسائل الدينيَّة أو الدنيويَّة بين أهل المصر، وليُشرف على الفيء والغنائم، ثم خصَّص رجلاً آخر يقوم بتقسيم الغنائم، ويُعَدُّ عمر أوَّل مَن فصل السلطة القضائيَّة عن سلطة الحُكَّام، فكان القضاة يُعَيَّنُون منه مباشرة، ويتَّصلون به فيما يرَوْن من شئون المسلمين، ودون تدخُّل من وُلاة الأقاليم، وأوجد عمر إلى جانب القضاء ما يشبه ديوان المحاسبة، فكان لا يُصدر قرارًا بمعاقبة أحد من وُلاته أو عمَّاله إلا بعد تحقيق دقيق .

كان إنشاء الدواوين ضرورة لا بُدَّ منها؛ نظرًا لتدفُّق الأموال بكثرة على المدينة، بفعل اتِّساع رقعة الفتوحات, مما دفع عمر إلى التفكير في وضع نظام لإحصائها وتوزيعها، فأقام عمر بن الخطاب تنظيم الديوان في عام (20هـ) على ثلاثة أسس هي: درجة القرابة والنسب من الرسول, والسابقون الأوَّلون في الإسلام, ودرجة الجهاد والبلاء والشجاعة والإقدام في سبيل نشر الإسلام .

كما أنشأ عمر رضي الله عنه "بيت المال" لحفظ الأموال الفائضة عن أعطيات الجند، والإنفاق الضروري منها على مصالح المسلمين، وكانت موارده متعدِّدة الجوانب أساسها الزكاة والصدقات والجزية والعُشور والفائض من الخراج .

ظلَّت الدولة الإسلاميَّة في عهده في قمَّة ازدهارها وتألُّقها، حتى جاء اليوم الموعود (4 من ذي الحجة عام 23هـ) الذي خرج عمر ليؤُمَّ الناس لصلاة الفجر، حتى إذا انتظم جمع المصلِّينَ، دخل في تلك اللحظة رجل ظهر فجأة بجانبه، وطعنه عدَّة طعنات بخنجر مسموم، كان هذا الرجل أبا لؤلؤة المجوسي، غلام المغيرة بن شعبة، وهو مِن سَبْي فارس، وتُوُفِّيَ عمر بعد ثلاثة أيام، ودُفِنَ بجوار قبر النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://3yalal5tim.ahlamontada.com/
 
المحاضرة الثانية : وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم - خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه و حروب الردة - خلافة عمر بن الخطاب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
» أخبار عااجلة
» محاضرة الدورة الخامسة : حروب الردة في الجزيرة العربية
» سلاطين بني عثمان .. قلوب احترقت بحب الرسول صلى الله عليه و سلم
» دعاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالطائف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أسرار الممالك الثلاث :: الرئيسية :: سلة مهملات المنتدى-
انتقل الى: