لتفهم هذا الموضوع أيضاً يفضل قراءة موضوع ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) ثم قراءة موضوع ( تابع رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) و أرجو أن يتسع صدرك لي يا ( أخي / أختي ) الكريم / الكريمة فالموضوع جميل و لن تندم و يتكلم عن واحدة من أصعب ملاحم معارك بلاد فارس و التي تعد النهاية الحقيقية لهذه القوة بسبب تدمير التجارة الفارسية بعدها و خسارة ما يسمى بإيران حالياً .
1- فتح السوس :
قائد الفرس : شهريار شقيق الهرمزان .
قائد المسلمين : أبو سبرة بن أبي رهم .
أرسل سيدنا عمر بن الخطاب إلى أبي سَبْرَة بن أبي رُهْم أن يعيد أبا موسى الأشعري إلى البصرة مرة أخرى، ويؤمِّر على الجيش المقترب بن ربيعة، فيُؤمّر المقترب على جيش البصرة، ويظل النعمان كما هو على جيش تُسْتَر، وعلى الجيشين سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم، ويتوجه هذا الجيش العظيم من تُسْتَر إلى مدينة السُّوس، ومن تُسْتَر -أيضًا- يتجه جيش على رأسه ذرّ بن كليب إلى جُنْدَيْسابُور في شمال تُسْتَر.
ويتوجه الجيشان إلى مدينة السُّوس، وكما ذكرنا من قبل أن السوس عاصمة الأهواز، ولكنها لم تكن على نفس درجة حصانة تُسْتَر، وكان على رأس مدينة السوس شهريار أخو الهرمزان.
وتتفاعل في نفس شهريار عدة عوامل تزيده ضراوة في حربه ضد المسلمين:
أولها: أوامر يزدجرد للقادة الفرس بمحاربة المسلمين.
ثانيها: ملكه هو فهو أمير السوس وهي عاصمة الأهواز، فلو هزم لضاع ملكه وضاعت إمرته.
ثالثها: العامل الانتقامي؛ فهو يريد أن ينتقم لأخيه من المسلمين بسبب أسرهم لأخيه، ومن المؤكد عنده قتل الهرمزان ( لأنه لم يكن على علم بأن الهرمزان قد أسلم ) .
وفي هذا الوقت جمع شهريار قواته وعسكر في السُّوس، وأرسل رسائل شديدة اللهجة إلى المسلمين يقول فيها: "إنما أنتم كلاب، وإنما أنتم كذا وكذا". وكانت هذه محاولات لإهانة المسلمين حتى يشعرهم أنه غير مهتم بالقوات الإسلامية، وكأنه يريد محاربة المسلمين حربًا نفسيَّة، لكن المسلمون لم يشتغلوا بمثل هذه الأمور؛ فقد توجّهت الجيوش الإسلامية من تُسْتَر مباشرة إلى السُّوس لفتحها، وكان حصار مدينة السوس أقل من حصار مدينة تُسْتَر، وبدأ المسلمون بقذف حصون السوس بالمقلاع (والمقلاع آلة كالمنجنيق)، ورمي السهام داخل الحصون، وكان أهل الحصن يخرجون لمحاربة المسلمين المرة بعد المرة، ولم يحصدوا إلا الهزيمة في كل مرة كعادة الفرس، وتقهقروا مرة أخرى إلى الوراء داخل حصنهم خوفًا من فتك المسلمين بهم..
ودام الحصار شهرًا أو يزيد لم يستسلم فيه الفرس، ولم يتهاون المسلمون في حصارهم، وعلى المسلمين -كما ذكرنا- سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم، وأثناء محاصرة المسلمين للسوس أشرف عليهم الرهبان، فقالوا: يا معشر العرب، إن مما عهد إلينا علماؤنا أنه لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم معهم الدجال. حاول النصارى الموجودون في السوس إرهاب المسلمين نفسيًّا، فالدجال -كما نعلم- شخصٌ منكر وبغيض، ولن يرضى المسلمون أن يكون بينهم الدجال، وقد حذرهم النبي منه، ولم يؤثر مثل هذا الكلام في المسلمين، فلديهم مرجع لا يختلف عليه اثنان: القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، فإذا وجد تعارض بين هؤلاء القوم وبين ما جاء في القرآن فهو هباء منثور، فقد رأى النبي سيدنا عمر بن الخطاب مرةً يقرأ في صحيفة من التوراة، ولم يكن يمنعه هذا عن قراءة القرآن، فيغضب غضبًا شديدًا قائلاً له: "أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي". ولم يشغل بال المسلمين مثل هذه التهديدات، فأصروا على الحرب وشددوا في حصارهم وقذفهم للسوس، وكسر المسلمون الأبواب ودخلوا مدينة السوس عنوة واستسلم كل أهلها، وكان فتحها يسيرًا على المسلمين بخلاف مدينة تُسْتَر.
2- فتح مدينة جنديسابور :
قائد الفرس : قاموا بتعيين واحداً من أهلها ليدافع عنها .
قائد المسلمين : ذر بن كليب و أبو سبرة بن أبي رهم .
بعد خروج الجيوش الإسلامية من تُسْتَر، وفي الوقت الذي توجه فيه أبو سبرة بن أبي رهم من مدينة تُسْتَر إلى مدينة السوس كان ذرّ بن كليب متوجهًا على رأس جيش إلى مدينة جُنْدَيْسابُور، وبمجرد وصوله إلى جُنْدَيْسابُور ضرب عليها حصارًا شديدًا وخرج إليه أهلها لمحاربة المسلمين، وفي كل خروج يهزمون ويتقهقرون حتى يلجئوا إلى الحصن، ولم يستطع سيدنا ذرّ بن كليب تحقيق النصر الكامل على جيش جُنْدَيْسابُور، فأرسل إليه سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم من السوس سيدنا المقترب بن ربيعة على جيش البصرة مددًا له، فيذهب المقترب ويحاصرها معه، واشتد الحصار على هذه المدينة من الجيشين، ولم يتمكنا من تحقيق النصر على أهلها، فخرج إليهم سيدنا أبو سبرة بن أبي رهم بعد أن ترك حامية من جيش المسلمين في مدينة السوس، وحاصر المدينة حصارًا شديدًا، واشتد في ضربهم حتى خارت المدينة وأوشكت على الانهيار، وشعر المسلمون بالنصر، وقد عرض عليهم المسلمون من قبل الإسلام أو الجزية أو القتال، ورفضوا الإسلام والجزية وأبوا إلا القتال، ولو انتصر المسلمون في هذه المعركة ودخلوا البلد عَنْوَةً كان حكم أهلها كحكم المأسور في الحرب وليس كحكم الذمي المعاهد على جزية، وبعد أن لاحت في السماء تباشير النصر وقبل وقوع النصر بلحظات وفتح الأبواب لم ينتبه المسلمون إلا وقد فتحت أبواب المدينة، وأخرجوا أسواقهم وخرج أهلها رافعين الرايات البيضاء، وقالوا: قبلنا أمانكم. فسألهم المسلمون: وما أماننا؟ فقالوا: رميتم بالأمان فقبلناه، وأقررنا بالجزية على أن تمنعونا. فقالوا: ما فعلنا! فقالوا: ما كذبنا. فقرأ المسلمون الأمان، فإذا فيه: هذا أمن من مكنف بن عبد الله إلى أهل جُنْدَيْسابُور، أن افتحوا الأبواب وأنتم آمنون على دمائكم ونسائكم وأموالكم وذراريكم. ولم يعرف أحد من قادة الجيش الإسلامي مصدر هذه الورقة، فقالوا: ما ألقينا هذا الأمان، إنما فعل هذا مكنف بن عبد الله، وهو عبد من عبيد المسلمين، قد أُسِرَ وأسلمَ وكان مع الجيش في هذه الموقعة، وألقى هذه الورقة بداخل المدينة؛ فقال أهلها: لا نعرف العبد من الحر، وقد قبلنا الجزية وما بدلنا، فإن شئتم فاغدروا. فكتبوا إلى عمر فأجاز أمانهم، فأمّنوهم وانصرفوا عنهم.
فكتب إليهم عمر بن الخطاب رسالة قصيرة يقول لهم فيها: إن الله عظم الوفاء، فإن كنتم في شك فأمِّنوهم، وأوفوا لهم عهدهم، وإنما ذلك العبد من المسلمين. فأعطى المسلمون الأمان لهذه المدينة بكاملها بأمان عبد من عبيد المسلمين، ويكتشف المسلمون بعد ذلك أن أصل هذا العبد كان من مدينة جُنْدَيْسابُور، وألقى إليهم هذا الأمان الذي وافق عليه عمر، وأعطى قائد الجيش الأمان للمدينة على أمان عبد من عبيد المسلمين، ووفَّى لهم وأعطوا الجزية. وبفتح جُنْدَيْسابُور أتم الله النعمة على المسلمين بفتح الأهواز.
وفي ذلك الوقت كان يزدجرد قد هرب إلى "مَرْو" في أقصى شرق الدولة الفارسية، وبعد أن وصلت إليه أنباء الهزيمة وسقوط منطقة الأهواز بدأ يجرِّئ الجيوش الفارسية مرة ثانية على قتال المسلمين، وكان سيدنا عمر بن الخطاب قد أمر المسلمين بعدم الانسياح في بلاد فارس، والوقوف على حدود آخر مدينة فتحوها، وقال: "وددت لو أن بيني وبين فارس جبلاً من نار، لا أغزوهم ولا يغزونني". فقد كان يخشى أن تفتح الدنيا على المسلمين، ولا يريد أن يلتقي بالفرس إلا بعد أن يتأكد من وضع المسلمين.